المقابلات

٣٠ كانون الأول٢٠٢٤

جميل بايك: دور الدولة التركية في تصميم الشرق الأوسط: من حماية مصالح الحداثة إلى تمهيد الطريق لإسرائيل

إن التوازنات القديمة في الشرق الأوسط آخذة في الانهيار، والوضع الراهن آخذ في التفكك، أي نوع من الشرق الأوسط، أي نوع من التصميم الجديد الذي تتصوره قوى الحداثة الرأسمالية في المستقبل؟ ومن ستكون القوى المهيمنة في الشرق الأوسط الجديد؟ وفي هذا الصدد، ما هو الهدف الرئيسي لحرب إسرائيل مع حماس وحزب الله وإيران والقوى الخاضعة لنفوذها؟ وأين تندرج التطورات التي بدأت في 27 تشرين الثاني وأسفرت عن سقوط الأسد من السلطة في هذه الحسابات؟

في بداية القرن العشرين، عندما كان يتم تشكيل الشرق الأوسط، كان هناك هدفان رئيسيان وتوقعات، حيث كان الهدف الأول هو تفكيك الإمبراطورية العثمانية وإقامة دول قوموية مكانها، أما الهدف الثاني، هو إنشاء دولة قومية يهودية في الشرق الأوسط وجعلها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط في المستقبل، وكانت الدولة القومية اليهودية، التي ستُعرف فيما بعد باسم إسرائيل، مشروعاً طورته بريطانيا في الأساس، وعلى أساسها تمت محاولة تصميم الشرق الأوسط، ومع ذلك، حدثت بعض التطورات غير المتوقعة التي أدت إلى تغييرات جزئية في الخطة، كان أبرز هذه التطورات ثورة تشرين الأول في روسيا، فعندما قامت ثورة تشرين الأول، كانت الحرب العالمية الأولى مستمرة وكانت روسيا تقاتل إلى جانب بريطانيا وفرنسا، ولكن، عندما قامت الثورة، سحب لينين روسيا من الحرب، كما أفشى أيضاً عن معاهدة سايكس-بيكو بين روسيا وبريطانياً وفرنسا، والتي ظلت سرية، ومع إفشاء لينين عن هذه المعاهدة، أصبحت أسباب وأهداف الحرب العالمية الأولى معروفة للعالم أجمع، وقد حددت معاهدة سايكس-بيكو كيفية تصميم الشرق الأوسط ومناطق النفوذ فيه، ولهذه المعاهدة مكانة مهمة لأنها تظهر أن الحرب العالمية الأولى كانت بسبب الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط.

بعد انسحاب روسيا من الحرب، حدث فراغ بعد انسحابها، واستغلت الحركة الكمالية هذا الفراغ، فكما هو معروف، كانت روسيا قد احتلت منطقة ممتدة حتى بدليس أثناء الحرب، وعندما انسحبت روسيا من الحرب، تركت المناطق المحتلة، وتجمعت القوات الكردية هنا ووصلت إلى مستوى معين من التنظيم، ورأت الحركة الكمالية ذلك وحولت وجهتها إلى كردستان، واستمدت قوتها من هنا، أما الأمر الثاني، طورت علاقاتها مع ثورة تشرين الأول وحصلت على الدعم منها، واستناداً إلى هذين العنصرين، زادت الحركة الكمالية من فعاليتها السياسية والعسكرية، فانتصرت في الحرب مع اليونان وسيطرت على الأناضول، وعندما خسرت اليونان الحرب، لم يكن من الممكن تنفيذ معاهدة سيفر، وبناءً على ذلك، أجرت بريطانيا تغييراً جزئياً في خطتها للشرق الأوسط وأبرمت معاهدة لوزان مع الحركة الكمالية، وبهذه الطريقة، اكتمل تصميم الشرق الأوسط بضم تركيا إليه.

وعندما كان يتم تصميم الشرق الأوسط، كُلفت الدولة التركية بمهمتين رئيسيتين، الأولى هي أن تلعب دور ما قبل إسرائيل، وقد أُوكلت هذه المهمة إلى الدولة التركية إلى أن تأسست إسرائيل وأصبحت القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، وهكذا، تم التخطيط لبناء الدولة التركية كنموذج للدولة القومية، حيث لعبت دور أمن إسرائيل وحماية مصالح الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط وتطويرها على حد سواء، ولهذا السبب، وصف القائد آبو إقامة الدولة التركية بأنها إقامة دولة إسرائيل البدائية، أما الأمر الثاني، أُسندت إليها مهمة تطويق السوفييت من الجنوب، وكما هو معروف، تم قبول تركيا في وقت لاحق في حلف الناتو في هذا السياق، وهذا المشروع الذي طورته قوى الحداثة الرأسمالية يشكل أيضاً أساس الإبادة الجماعية بحق الكرد، فقد تم تحديد الكرد كعدو مطلق للدولة القومية التركية التي تأسست بطابع عنصري فاشي، وجعلوا الدولة التركية تسعى وراء هذا العداء، وحولها إلى القوة الأكثر تصرفاً وخدمة لمخططات الحداثة الرأسمالية، وقد استمرت هذه العجلة دون أن يلحقها أي ضرر، مع تعمق أثرها عبر التاريخ وصولاً إلى يومنا هذا.

والآن، يجري تطوير تصميم جديد في الشرق الأوسط، وبينما يجري إعادة تصميم الشرق الأوسط، يجري تجاوز شكل الدولة القومية، ومما لا شك فيه أن إعادة تصميم الشرق الأوسط ليست عملية بدأت اليوم، فهي مفهوم طرأت على جدول الأعمال مع انهيار الاشتراكية المشيدة، ومن ناحية أخرى، فإن هذه العملية مؤلمة للغاية، والسبب الرئيسي لذلك هو بالطبع تضارب المصالح، حيث هناك تضارب مصالح بين القوى الحداثة الرأسمالية، وكذلك بشكل رئيسي بين القوى العالمية وقوى الوضع الراهن، وهذا يؤدي إلى إطالة أمد العملية والصراع في آن واحد، وكما هو معروف، فإن أول تدخل في نطاق إعادة تصميم الشرق الأوسط كان في العراق وانهيار نظام البعث في العراق، وقد قال القائد آبو، إنه بسقوط صدام انهار نظام الدولة القومية في الشرق الأوسط، وقد أكدت التطورات ما قاله القائد آبو، فقد سقطت أنظمة الدولة القومية في الشرق الأوسط أو تحولت إلى بؤر صراع، والآن هذه العملية مستمرة، وكما هو معروف، فقد انهار أيضاً نظام البعث في سوريا الذي كان يمثل الدولة القومية.

يتبع…