رسالة لجنة الشعوب والمعتقدات في KCK إلى المؤتمر الدولي لأديان ومعتقدات مزوبوتاميا
حثّت لجنة الشعوب والمعتقدات في منظومة المجتمع الكردستاني (KCK) ، في رسالتها إلى المؤتمر الدولي لأديان ومعتقدات مزوبوتاميا على العمل المشترك لتفعيل دور جميع الأديان والمعتقدات المتجسد في تنمية السلام والأخوة بين جميع الشعوب.
وجاء في نص الرسالة ما يلي:
“بداية نحيي كل من ساهم وشارك واهتم بعقد هذا المؤتمر، ونأمل أن يتحول نشاطكم هذا إلى عملٍ منظم ينهي حالة الافتقار للحوار بين الأديان والمعتقدات، وبذلك تساهمون في إنقاذ مقدسات الناس ومعتقداتهم من استغلال القوى المتسلطة.
جميع الأديان والأنبياء خرجوا مناهضين للسلطة، ووقفوا بجانب الفقراء والمساكين والمضطَهَدين والمستَعْبَدين ضد الظلم والظالمين؛ وعلى مدى التاريخ القديم للشرق الأوسط، لم تولد النبوة قطعاً كـ “حركة مادية”، بل نشطت دوماً كـ قوة معنوية واستمدت قواها المجتمعية من هذا الجانب، ولهذا السبب احتلت النبوة مكانة في أذهان الناس في الشرق الأوسط، باعتبارها أعلى مستويات الأخلاق، ولا شك أن السمة المشتركة بين جميع الأديان والمعتقدات دون استثناء، هي الأخلاق، حيث يعتبر الكذب وقتل الإنسان والسرقة والنميمة والظلم سلوكيات سيئة وخطايا في جميع الأديان والمعتقدات، وعلى العكس من ذلك يعتبر الإنصاف والعدل والمساواة وفعل الخير ومساعدة المرضى والفقراء والمساكين والمضطهدين والاتصاف بالضمير والوجدان الإنساني وجميع صور السلوك الذي يكفل السلام والتكافل المجتمعي، جوانب مشتركة من شروط الإيمان في جميع الأديان والمعتقدات؛ وهذا يعني أنه على الرغم من اختلاف معتقداتنا ودياناتنا، إلا أن أحكام القيم الأخلاقية التي نؤمن بها هي مشتركة إلى حدٍ ما، وأن النقطة التي تشترك بها كل الأديان والمعتقدات هي بناء شخص ومجتمع يتسم بالضمير والأخلاق؛ وهذا الأمر يوضح تماماً كيف ميّز الله تعالى الإنسان عن باقي المخلوقات وأعطاه المكانة الأسمى، كما أن العبرة التي نستخلصها من كل ذلك، أن جميع المؤمنين مسخرين لعبادة الهدف الأسمى الذي من أجله خُلق الإنسان، بغض النظر عن اختلاف الدين والمعتقد، مما يدعونا إلى ألا نجعل من تنوع دياناتنا ومعتقداتنا، نقاط خلاف بيننا نحن بني الإنسان، فبالرغم من اختلاف الطقوس الدينية إلا أن الحياة الدينية بالنسبة لجميع الأديان والمعتقدات، هي من حيث الجوهر تلك المقدسات التي آمن بها الإنسان، وذلك لأن الحياة الاجتماعية تبنى حول القداسة؛ بمعنى آخر، تعتبر القداسة المصدر الرئيسي الذي تُغذي الجوانب الروحية والميتافيزيقية للحياة الاجتماعية.
إن إنكار الجانب الميتافيزيقي للإنسان (ما وراء الطبيعة) هو أعظم خطيئة ارتكبها العلم ضد البشرية؛ لأننا نعلم بكل بساطة أن الإنسان دون الجانب الميتافيزيقي لا يختلف بتاتاً عن الآلة التي لا روح لها، كما أن محاولة تعريف الإنسان فقط استناداً إلى العقل وتجاهل رؤية جانبه الميتافيزيقي (الروحي)، يؤدي بنا إلى فقدان القدرة على إدراك الكينونة الاجتماعية للإنسان، مما يعني الاغتراب تماماً عن حقيقة الوجود الإنساني؛ حيث أن إبعاد الإنسان عن القيم الأخلاقية ودفعه نحو قوقعة اللعب واللهو والاكتفاء بالطعام والشراب ومنعه من التفكير بغية إدامة وجوده الفيزيائي، خلق وحشاً استهلاكياً، وهنا تكون المقولة التالية التي تبين نظرة المؤمنين إلى ممارسات العلم الحالية ذات معنىً كبير “نسيان أن القداسة عمل إلهي، هو كسرٌ للحدود المفروضة على عقل البشر وممارساتهم وبداية كل الكوارث”، والعقلانية في الرأسمالية تجسد هذا المعنى تماماً، حيث يكون الهدف الأساسي في التعامل مع البشر والطبيعة وكل الكائنات الحية هو السعي وراء الربح الأعظمي، وهي في ذلك لا تعترف بأية قواعد أخلاقية ولا تراعي قيم المجتمع والإنسان ولا تعرف الخطيئة؛ بمعنى آخر يكون الكل في حالة حرب مع الكل.
من المعلوم للجميع أن كل الأديان والمعتقدات ترفض بشكل قاطع هذا السلوك البعيد عن الجوهر الإنساني، وتعتبره من الذنوب الكبيرة؛ كما ورد في فترات مختلفة من التاريخ، حيث أنزل الله تعالى عقابه على صور مماثلة من أمم ومجتمعات عاثوا في الأرض فساداً، مثل (قوم لوط، طوفان نوح…. إلخ)؛ ولا بد من القول هنا إن أعظم بلاءٍ في التاريخ، ابتليت به البشرية، هو هذا العقل البشري الخالي من الميتافيزيقا والذي هو من اختراع النظام الرأسمالي، ونظراً لأن هذا النظام يربط وجوده وبقاءه بمقدار قضائه على الأخلاق والقيم المجتمعية، هو في الأساس يعادي الدين والمعتقد ولا يتردد قطعاً في استغلالهما كأدوات لخدمة سلطته وهيمنته.
ولأن هذه المشكلة ذات أبعاد ومخاطر عالمية، تكون مجابهتها مهمة مشتركة بين جميع الأديان والمعتقدات حول العالم؛ ويكون السعي إلى بناء مجتمع وجداني أخلاقي، هي المهمة الاساسية التي يأمرنا بها الخالق في مواجهة المجتمع الاستهلاكي الفاسد المفتقد للضمير والأخلاق والقيم الإنسانية؛ وبما أن تلك المهمة فريضة بطبيعتها في كل الأديان والعقائد، علينا تَقّبُل بعضنا البعض مع اختلافاتنا وتنوعنا ومنع أن يكون الدين والمعتقد سبباً للصراع والحروب فيما بيننا، ولنعمل معاً بكل جهودنا لأجل تفعيل الدور الرئيسي لجميع الأديان والمعتقدات المتجسد في تنمية المحبة والسلام والأخوة بين جميع شعوب الأرض، ولا ننسى أن جميع المعتقدات والأديان على الأرض، هي بطبيعتها حليفة في الهدف والغاية التي من أجلها خُلقت البشرية، ولدى إدراك هذا الحلف الطبيعي، لا بد من المسارعة إلى تنظيم مشترك وجبهة موحدة، والطريق إلى ذلك يمر من القاعدة التالية التي تفيد بأنه “لا يصح قول أي مؤمن عن الديانات والمعتقدات الأخرى، ما لم توافق عليه تلك الأديان والمعتقدات نفسها”.